استراتيجيات وأدوار الألعاب الإلكترونية داخل الفصل

نحن اليوم أمام حقيقة لا مفرّ منها ألا وهي غزو الألعاب الرقميّة لحياتنا من كل جانب. ولعلّ أكثر الأفراد تأثراً بها المراهقون الذين ما يزالون على مقاعد الدراسة؛ فهم على استعداد لقضاء ساعاتٍ وساعات مسمّرين خلف شاشات الحاسوب أو الألواح الإلكترونية أو هواتفهم منغمسين بتلك الألعاب. ولعلّ تفسير هذا التعلق بالألعاب الرقمية التنافسية يعود إلى عوامل تصميمها التي تتّسم بالتحفيز والتحدي، فترضي اللاّعب وتشبع حاجاته على الصعيد النفسي. وفي المقابل، تصبح الدروس والنشاطات الصفية مملة ورتيبة عند تكرارها وخلوها من التحفيز والتحدي الذي يجذب الطالب اللاعب، فيتحول الصف إلى حجرة تخلو من التفاعل والمشاركة ويصبح الطلاب مجرد أفراد يؤدون مهمّة موكلة إليهم دون رغبةٍ حقيقية منهم لأدائها، بل حتى رغماً عنهم أحياناً.

تستخدم الألعاب التنافسية التعلمية لتحقيق أهداف الدروس بطريقة ممتعة ومسلّية تجذب انتباه الطلاب وتجعلهم منخرطين تماماً في العملية التعلمية. غير أنّ إستخدام هذه الألعاب يتطلّب إمكانيّات تقنية وبشرية كبيرة، و غياب هذه الإمكانيات لا يعني عدم القدرة على الاستفادة من الألعاب، ففي ما يلي مقاربة ستتيح للمعلّم فرصة اكتشاف أنماط اللاّعبين الموجودين في صفه لاختيار أنواع التعلّم والاستراتيجيات المناسبة لهم  حتى يتحوّل التعلم إلى متعة.

ولفهم كيف يمكن إختيار  أنواع التعلّم والإستراتجيات المناسبة للتعليم، سوف نحاول إيجاد مقارنة بين الطّالب في الفصل واللاّعب في الألعاب الإلكترونية التنافسية، و سنحاول أن نجيب على بعض  الأسئلة وأبرزها: لماذا تجذب الألعاب الإلكترونية الطلاب أكثر من التعلّم؟ ولماذا يتعلّق اللاّعب بلعبة معيّنة في حين أنها لا تثير اهتمام آخر؟ وكيف يمكن الاستفادة من الألعاب التنافسية في الفصل الدراسي دون إدخالها إليه؟

 

1- لماذا تجذب الألعاب الإلكترونية الطلاب أكثر من التعلّم؟

للإجابة على هذا السؤال لابد من فهم عناصر تصميم الألعاب الرقمية التنافسية، فهناك ثلاث فئات لعناصر الألعاب التنافسية وهي الديناميكيات والمكانيكيات والمكونات. وتحت كل مكون نجد مجموعة من العناصر التي تنتمي إليها:

 

2- لماذا يتعلّق اللاّعب بلعبة معيّنة في حين أنها لا تثير اهتمام آخر؟

لمعرفة السبب وراء هذا الاختلاف في اختيار لعبة إلكترونيّة دون سواها وسبب جذبها للاعب دون آخر علينا معرفة أنماط اللاّعبين في الألعاب التنافسية.

أ- أنماط اللاّعبين في الألعاب التنافسيّة وفقا لتصنيف بارتل ” Bartle Taxonomy

هو تصنيف لأنماط اللاّعبين قام به ريتشارد بارتل عام 1996. وقد وضِع هذا التصنيف بناءً على نظرية أنماط اللاّعبين في الألعاب التنافسية.

وتنصّ هذه النظرية على وجود أربعة أنماط من اللاّعبين وهم المنجزون، والمستكشفون، والاجتماعيون والمقاتلون أو القاتلون.

وقد صوٍّر هذا التّصنيف وفقاً لنموذج رباعي حيث يمثّل محور إكس تفضيل اللاعبين مقابل اكتشاف العالم، ومحور واي الذي يمثل تفضيل التفاعل مع الآخرين مقابل الأعمال أحادية الجانب.

المنجزون :Achievers

يطلق عليهم لقب “الديناري”، و يفضل هؤلاء تجميع النقاط واجتياز المستويات في اللعبة والحصول على كل ما يمكن استخدامه لقياس تقدمهم. وهم على استعداد للمضي قدماً فقط بغية الحصول على المكافآت وإن كانت لا تعود بفائدة حقيقية على استمرارية اللّعب ولكن فقط من أجل التّباهي بما اكتسبوه.

المستكشفون Explorers

يطلق عليهم لقب “البستوني” وذلك لميلهم إلى البحث عن كل شيء  من حولهم، فهم يفضلون استكشاف المناطق والتعرف على ما هو خفي ويشعرون بأنهم مقيدون بالأغلال إذا ما أجبرتهم اللعبة على التقيد بوقتٍ محدد لأن ذلك يمنعهم من التأمل بما هو موجود حولهم.

الاجتماعيون Socializers

هناك العديد من اللاّعبين الذين يختارون لعبة بعينها من أجل جانبها الاجتماعي وليس من أجل اللعبة بحد ذاتها. ويعرف عنهم بأنهم أشخاص اجتماعيون من الدرجة الأولى ويطلق عليهم لقب “القلب”. إنهم يحصدون أكبر قدر من المتعة في اللعبة من خلال التفاعل مع اللاعبين الآخرين. فاللعبة تتحول إلى أداة يستخدمونها من أجل التواصل مع الآخرين داخل أو خارج اللعبة.

المقاتلون أو القتلة Killers

يتعطّش هذا النوع من اللاّعبين إلى إلحاق الهزائم بالآخرين وهم يعشقون المنافسة والتحدي بكل أشكاله. ويطلق عليهم لقب”كلفس”.

إنّ الألقاب التي أطلقها “برتل” على أنماط اللاعبين هي رموز لعبة الورق التقليدية .

ب‌- أنماط اللاعبين في الألعاب التنافسية وفقا ل”مصفوفة الإجراءات الاجتماعية”

وضعتها مصممة الألعاب  ايمي جو كيم Amy Jo Kim  التي وجدت أن تصنيف بارتل لا ينطبق بشكل جيد على الألعاب الاجتماعية والتعليمية، فعلى سبيل المثال، ” اللاعب القاتل” يكاد يكون غير موجود في الألعاب الموجهة للنساء بالدرجة الأولى. وقد صنفت اللاعبين إلى أربع أنماط أيضاً وهي: المستكشفون والمبدعون والمنافسون والمتعاونون.

وقد صوّر هذا التّصنيف وفقاً لنموذج رباعي حيث يمثّل محور إكس تفضيل المحتوى  مقابل اللاعبين ومحور واي الذي يمثل تفضيل التفاعل مقابل الأعمال أحادية الجانب.

المستكشفون Explorers

إنّ اكتساب المعارف واستكشاف أبعد الحدود وإيجاد الثغرات هو ما يحفّز هذا النّمط من اللاّعبين. فهم يستمتعون بالحصول على المعرفة والتّباهي بها أمام الآخرين، كما أنهم يقدّرون المعلومات والتصاميم الذكية وهم لا يمانعون المشاركة في الاستكشاف مع الآخرين لكنهم يفضلون القيام بالأعمال وحدهم.

المبدعون Creators

يُحفَّز المبدعون من خلال إتاحة الفرص لهم لإثبات ذاتهم. فهم يعشقون البيئة التي تمكنهم من تفريد بتجربتهم ووضع بصمتهم والتعبير عن تميزهم. وهم على استعداد لاستخدم كافة الأدوات المتاحة لكي ينالوا إعجاب وتقدير الآخرين. يقدِّر اللاعبون المبدعون الأسلوب الجاد في العمل ويستخدمون أسلوبهم الشخصي و يستعينون بمهارتهم الإبداعية للتأثير على الآخرين.

المنافسون Competitors

يتم تحفيز المنافسين من خلال إتاحة الفرصة لهم لاختبار مهاراتهم وقدراتهم التي اكتسبوها، وهم يعشقون تطوير مهاراتهم وتسليط الضوء عليها ومعرفة موقعهم ودورهم ضمن المجموعة، كما يقدّرون التمكّن من العمل وبناء علاقات صداقة من خلال التنافس الودّي.

المتعاونون Collaborators

يحفَّز المتعاونون من خلال العمل مع الآخرين لتحقيق الأهداف. فهم يحبّون الفوز معاً وقياس النجاح باعتباره عملاً تعاونياً. كما ويحب هذا النمط من اللاعبين تشكيل الفرق أو المجموعات ويقدّرون قيمة العمل التعاوني المشترك وبناء العلاقات من خلال المهام المشتركة.

نلحظ مما سبق أن هناك بعد الصفات المشتركة بين الأنماط المختلفة التي وضعها كل من برتل وايمي جو كيم.

ويمكن الجمع بين الأنماط على النحو التالي.

وانطلاقًا ممّا استعرضناه فإنّ الإجابة على السّؤال المطروح هي التّالية: إنّ اللعبة تجذب اللاّعب فقط إذا كانت تتوافق مع نمطه وإلا فإنها لن تثير اهتمامه على الإطلاق.

 

3- كيف يمكن الاستفادة من أنماط اللاّعبين في الفصل الدراسي دون إدخال الألعاب التنافسية إليه؟

لا بدّ للمعلّم أوّلاً أن يعرف أنماط اللاّعبين الموجودين في الصّف من أجل استخدام أنماط التعلم  والاستراتيجيات التعليمية المناسبة. ولكي يتمكّن المعلّم من معرفة أنماط اللاّعبين، يمكن أن يطلب من تلامذته الخضوع لاختبار يدعى اختبار بارتل لسيكولوجيا اللعب والذي وضعه كل من Erwin Andersean و Brandon Downey  بناءً على تصنيف بارتل. وعلى الرغم من أن الاختبار قد تعرض للانتقادات بسبب الطابع الثنائي الطاغي على الأسئلة، إلا أنّه حتى العام 2011 كان قد تم الخضوع له 800000 مرة.

ويمكن خوض الاختبار من خلال الرابط التالي

وبعد الحصول على نتائج الاختبار، سوف يتمكن المعلم من معرفة الأنماط الطاغية في الصف ،وبناءً عليه سوف يقوم باختيار نمط التعلم المناسب والاستراتيجيات التي سوف تجذب الأغلبية الساحقة من الطلاب وتجعلهم منخرطين بكامل حواسهم في العملية  التعلمية.

وإذا أردنا توزيع اللاعبين على أنواع التعليم الثلاث وعلى إستراتيجيات التعليم المناسبة والإجابة عن السؤال المطروح سوف نحصل على الجدول التالي:

بهذا التصوّر الشخصي يمكن الاستفادة من الألعاب التنافسية في التعليم من ناحية أنماط اللاّعبين بغية تحفيز الطلاب وفهمهم أكثر، آملين أن تتوفّر الإمكانيات المادية والمؤهّلات البشريّة اللاّزمة يوما ما من أجل  إدخال المحفّزات التعليمية أو الألعاب التنافسية إلى صفوفنا للاستفادة منها بأكبر قدر ممكن.

اترك تعليقاً

لن ينشر بريدك الإلكتروني.