العبقرية: صناعة وتربية أم شفرة جينية؟
في حوار مهم أجراه <جوزيف كينيدي> للتليفزيون الأمريكي في ستينيات القرن الماضي، أكد كينيدى الأب الذى كان يعمل سفيرًا للولايات المتحدة لدى بريطانيا قبل الحرب العالمية الثانية أنه كان يربي أولاده كي يكونوا رؤساءً للجمهورية. لذا لم يكن غريبًا أن يتبارى ثلاثة من أبنائه التسعة للوصول إلى هذا المقعد. فجون كينيدي هو أصغر رئيس للولايات المتحدة الأمريكية (1960-1963)، وروبرت كينيدي هو الآخر أعلن ترشيح نفسه لنيل ثقة الحزب الديمقراطي وخوض تجربة الانتخابات الرئاسية عام 1968، لكن القدر لم يمهل روبرت فرصة الوصول لمقعد الرئاسة بسسب اغتياله في ذات العام. ثم انتقل الإرث السياسي بعد ذلك للشقيق الصغر إدوارد. ورغم أن إدوارد لم ينجح في الوصول إلى كرسي الرئاسة، إلا أنه أصبح شخصية مرموقة من رجالات الحزب الديمقراطي، وأحد المدافعين بقوة عن الحريات المدنية الأمريكية في الكونجرس، حتى إن الرئيس الأمريكي باراك أوباما رثاه بعد موته، واصفًا إياه بأعظم سيناتور في زماننا، على حد تعبيره.
ربما يثير تصريح كينيدي الأب تساؤلًا يستحق الإجابة عنه حول كون العبقرية صناعة وتربية أو أنها مجرد وراثة. تساؤل حاولت وسائل الإعلام العالمية إيجاد إجابة مقنعة له، لا سيما مع رحيل أية شخصية عُرف عنها تميزها بهذه الخصلة النادرة، وهذا ما جرى مؤخرًا في أعقاب رحيل العقل المدبر خلف صرح أبل وأسطورة الطفرة الرقمية <ستيف جوبز>.
جدل سائد
ورغم أنه ليس للعبقرية تعريف دقيق، لكن جمعية منسا الدولية -الموجودة في أكثر من 80 دولة وتضم قرابة 100 ألف عضو يُشترط فيهم أن يكونوا قد خاضوا اختبارًا للذكاء- تُعرِّف العباقرة بأنهم الأشخاص الذين يمتلكون القدرة والإبداع الكافيَين لوضعهم ضمن نسبة الاثنين في المئة (2%) الأفضل على مستوى العالم.
وفي الواقع لا يمكن أن نقيس الذكاء بشكل كمي طبقًا لعدد الخلايا العصبية الموجودة في المخ مثلاً، لكن تبقى اختبارات مقياس الذكاء IQ التي وضعها <ألفريد بينيه> عام 1904، هي الأداة الأكثر شيوعًا. فإذا كان ذكاء الإنسان يتأرجح بين 46 و160 على مؤشر القياس النفسي، فإننا نتحدث عن مستويات عالية من الذكاء بدءًا من 130 وفقًا للمعيار العالمي ( هناك دول مثل فرنسا تعتبر الإنسان عبقريًّا إذا ما بلغت درجاته 125). وبناء على نتائج تلك الاختبارات، فإن هناك طفلًا واحدًا فقط لكل 100 ألف يبلغ مستوى ذكائه على الاختبار النفسي 160.
عبقري أم موهوب
وتفضل الباحثة الفرنسية أريال أدا Arielle Adda -صاحبة كتاب «الموهوبين»- كلمة موهوب المرادفة لكلمة Doué بالفرنسية أوgifted بالإنجليزية على كلمة عبقري لعدة أسباب، منها أن وقعها أقل وطأة من كلمة ذي إمكانيات مرتفعة high potential or Haut potentiel (HP) التي تُستخدم في أروقة العيادات النفسية. كما أن كلمة موهوب لن يكون فيها درجة من التباهي مثل كلمة عبقري والتي قد تؤثر سلبًا على سيكولوجية الطفل وتجعله يشعر بأنه مختلف عن أقرانه مما قد يولِّد لديه حالة من الاستعلاء على الآخرين. فوفق دراسة تجريبية أجراها فريق بحثي في جامعة ليون الفرنسية ترسم بروفايلين للأطفال الموهوبين، الأول يطلق عليه profil laminaire أى الفئة ذات التحصيل السلس، وهو ما يمثل ثلث الأطفال الموهوبين الذين لا يجدون صعوبة في العملية التعليمية، أما البروفايل الثاني profil complexe أي الفئة ذات التحصيل المتعثر، فهم الأطفال الذين يمثلون نسبة ثلثي الأطفال الأذكياء، وهؤلاء يعانون أشد المعاناة لأنهم يجدون صعوبة في التعايش مع اختلافهم عن الآخرين، بدرجة قد تدفع البعض منهم إلى التفكير في الانتحار!
ورغم الجدل السائد حول استخدام تلك القياسات النفسية والتي يعتقد بعض المتخصصين أنها تقيس جانبًا واحدًا من الذكاء، أو كما يراها بعض خبراء التربية تستخدم شاكوشًا فقط لبناء منزل، رغم أن عملية البناء قد تحتاج لأدوات أخرى. وهو الأمر الذى دفع الباحث <إدجار موران> إلى القول في كتابه «علم المعرفة» إن الذكاء ليس فقط ما تقيسه الاختبارات، لكنه يكمن أيضًا فيما لا تقيسه. فقوس قزح الذكاء لا يشمل طيفًا واحدًا، ولكن هناك 9 ألوان متباينة من العبقرية: فقد يكون ذكاءً موسيقيًّا مثل ذكاء <موتسارت> الذى ألف أول مقطوعة موسيقية عن عمر أربعة سنوات، أو عبقرية علمية مثل <آلبرت آينشتاين>، أو أخرى في العلاقات البشرية كذكاء <مهاتما غاندي>، أو ذكاءً حركيًّا مثل <مارسيل مارسو> لاعب البانتوميم، أو ذكاءً لغويًّا مثل <توماس إليوت>، أو قدرة خارقة على فهم الذات مثل التي تمتع بها <سيجموند فرويد>، أو ذكاءً وجوديًّا مثل <ونستون تشرشل>، أو عبقريةً في علوم الطبيعة مثل <تشارلز داروين>، على حد تعبير هوارد جارنر، الباحث في مجال التعليم بجامعة هارفارد الأمريكية.
الوصول إلى القمة
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل من الممكن الوصول لقمة هذا الهرم عبر التنشئة الاجتماعية؟ أم أن المسألة برمتها تعود لعوامل وراثية جينية؟
تلك المعضلة التي طالما أثارث فضول العلماء وحفزتهم لإجراء المزيد من البحث والتقصي. ففي دراسة حديثة، أجراها الباحثون في كينجزكولدج لندن King’s College London ونُشرت في مجلة الطب النفسي الجزيئي Molecular Psychiatry تؤكد وجود جين متصل بشكل مباشر بعامل الذكاء يُطلَق عليه NPTN، يؤدي دورًا في سُمك المادة الرمادية المرتبطة بالقدرات الفكرية. فقد قام الفريق البحثي البريطاني بتحليل عينة من الحمض النووي (DNA) واستخدام تقنية الرنين المغناطيسي على مخ 1583 من الأطفال البالغة أعمارهم 14 عامًا، كما أجروا عددًا من الاختبارات لقياس الذكاء الشفهي وغير الشفهي، مستخدمين 5400 متغير وراثي، تؤدي دورًا أساسيًّا في النمو العقلي. وقد لحظ العلماء أن الأطفال الأذكياء كان لديهم قشرة أقل سُمكًا في نصف المخ الأيسر، وبصفة خاصة في الفص الصدغي والأمامي.
وأطروحة أخرى أُجريت في كلٍّ من جامعتي كامبردج ودوسلدورف، أكدت وجود العامل (g) general intelligence factor. الذي قد يكون مركز الذكاء والقابع في قشرة الفص الصدغي. لكن فرضية أن الذكاء وراثي ما زالت تثير لغطًا شديدًا لنسبة كبيرة من العلماء في الأوساط العلمية، لا سيما وأن أسرار العقل ما زالت تحتاج إلى جهود كثيرة لتفسير الكيفية التي تعمل بها المناطق المخية المختلفة والتوافيق الخاصة بالإمكانيات البشرية، أي القدرة على استخدام إمكانيات المخ المختلفة معًا أو بكيفيات مختلفة، والآليات التي تتيح للعقل التجول من منطقة ذكاء إلى أخرى. أو بصيغة أخرى تحفيز منطقة وتثبيط أخرى وفقًا لما تستدعيه الظروف والتحديات، على حد تعبير الباحث <أوليفيه أوديه>، أستاذ علم النفس المعرفي بجامعة باريس.
ومن أجل سبر أغوار عالم المخ الغامض، يسعي فريق للترويج لفرضية أن الذكاء ليس مكتوبًا في الجينات لكنه قد يكون صناعة بشرية. ويُعَد <بولجار لاسلو> -عالِم النفس المجري- أحد المؤمنين بأننا لا نولد عباقرة لكننا من الممكن أن نصبح كذلك. يحكي لاسلو تجربته الشخصية التي عرضها من خلال كتابه “ازرعوا العبقرية” عن مشروعه البحثي الذي بدأه منذ أكثر من أربعين عامًا. عندما نشر لاسلو إعلانًا يطلب شريكة حياة تخوض معه تلك التجربة، والتي لاقت قبولًا لدى كلارا، معلمة من أصل مجري أيضًا تعيش في أوكرانيا. وقد رأت ابنتهما الأولى النور في عام 1969 ثم لحقت بها اثنتان من شقيقاتها. بدأ الثنائي في تنفيذ المشروع عبر إعطاء الأطفال تعليمًا منزليًّا، إذ أراد الأب أن يصبحن عبقريات في الرياضة أو الموسيقي. لكن كلًّا من سوزي وصوفيا وجودي –البنات الثلاث اللاتي يُجدن التحدث بأكثر من أربع لغات- فضلن المربعات البيضاء والسوداء على السلم الموسيقي ودهاليز الجبر والتفاضل. ورغم أن لعبة الشطرنج كانت حكرًا على الرجال فقد فتحت سوزي الباب لأخواتها، ليس فقط لمناطحة لاعبي الشطرنج المحترفين، ولكن للصعود على المنصات العالمية بعد إنجازات مهمة في لعبة الأبيض والأسود. فاذا كانت صوفيا تلقب اليوم بموتسارت اللعبة، فإن جودي التي وصفها كاسبروف -بطل العالم الحالي- بالمنافس العتيد تقول: “سأصبح في غضون عامين بطلة العالم”، هكذا تتوعد جودي الابنة الصغرى التي ترى أن مباراة النساء ليست هدفها؛ ” فالذكاء ليس له جنس”، على حد تعبير آخر العنقود في تلك الأسرة التي درست ميول بناتها وحرصت على أن توجههن في اتجاه تنمية الموهبة؛ إذ كرَّس الأب من 5 إلى 8 ساعات يومية كي تتعلم بناته اللعبة.
اكتشاف الميول والقدرات
تتفق <رحاب النمرسي>، مدرب معتمد للمونتيسوري، من مؤسسة ميبي الأمريكية لتعليم المونتيسوري Montessori education programs international مع هذا الرأي، وتقول: “يعتمد هذا العلم على الفروق الذاتية لكل طفل، فضلًا عن منح الطفل هامشًا من الحرية حتى يتمكن من إبراز مواهبه بعيدًا عن الطرق التقليدية للثواب والعقاب، وكذلك وضع الطفل تحت ضغوط بمقارنته بأقران آخرين. فإذا كانت النظريات التقليدية لعلم النفس التربوي تفترض أن الطفل وعاء فارغ لا بد من ملئه، فإن علم المونتيسوري، منهج تعليمي يقدم نموذجًا للتنمية البشرية للأطفال من عمر ثلاث سنوات حتى 18 سنة، ويهدف إلى مساعدة الأطفال على تطوير قدراتهم الإبداعية، والقدرة على حل المشكلات، وتنمية التفكير النقدي وقدرات إدارة الوقت، ويرى أن الطفل ليس بوعاء، لكن لديه أدوات لا بد من مساعدته على استخدامها وتهيئة البيئة المناسبة لذلك.
وتضيف النمرسي: “إذا كنا نقسم نمو عقل الطفل إلى مرحلتين أساسيتين من عمر يوم إلى 6 سنوات ثم من 6 سنوات إلى 12 سنة، فهناك فترة حساسة داخل كل مرحلة عمرية يبلغ فيها الطفل قمة تحصيله هي عمر “ثلاث سنوات” في المرحلة الأولى و”تسع سنوات” في المرحلة الثانية. في هذه المرحلة يكون على درجة عالية جدًّا من التحصيل، ولو استطعنا أن نعرف ما هي ميوله فسيصبح بارعًا جدًّا في تلك الأشياء التي تعلمها وكأنها جزء من كيانه”. يقع على الأسرة إذًا المسؤولية الأولى كي تساعد الصغير على أن يفرد جناحيه لكي يبدأ في التحليق عاليًا. فالأب الروحي لستيف جوبز أعطاه المبادئ الأساسية للتكنولوجيا، بل ربما كان وراء عبقرية موتسارت الفذة والده الموسيقار الذى ملأ سمعه بمقطوعات كلاسيكية منذ نعومة أظافره. ومن ظلال تلك التجارب المنيرة، لا بد أن تُستلهَم وتُولَّد نماذج جديدة. فكل طفل يخلق بداخله بصمته الخاصة potential ودور الأسرة يكمن في مدى استثمار تلك المهارات للحد الأقصى؛ إذ إن هناك بيئات ثرية تحفز على ظهور العبقرية وأخرى قد تحجبها للأبد.
أريد الأفضل لطفلي
تتوجه الكاتبة الهندية شاكونتا لاديفي في كتابها “أيقظي العبقرية” للأم بصفة خاصة، حيث تهمس في أذنها بقاعدة أساسية من أجل تفريخ عبقري، «أريد الأفضل لطفلي، إذًا يتوجب عليَّ أن أعطيه أفضل ماعندي»، ثم تضيف المؤلفة: احتفظي بهذا المبدأ الأساسي في نفسك وفي قلبك، ردديه في كل فرصة ممكنة، طبقيه في حياتك، استعمليه لتهيئي جوًّا منشطًا يساعدك على مضاعفة ثقتك في طفلك. بهذه القاعدة الصحية لن تفشلي مطلقًا في تغذية ذكائه وتفجير عبقريته. فالطرائق الملائمة واللامتناهية في إكساب الطفل المعرفة عبر يوميات الحياة العادية هي أكثر بكثير مما نظن، ولها تأثير إيجابي يحقق نتائج مذهلة. وهي طرق –وفق المؤلفة- تحتاج إلى حس مرهف وذكاء ودقة ورصد من قِبَل الأم تجاه حركات طفلها التي تلاحظها كل يوم. ذلك أن فلسفة المؤلفة في جدوى ذلك التعلم تنطلق من قناعة عميقة بأن نشأة الطفل وبدايات حياته هي عملية متواصلة من الاكتشافات وحب المعرفة والاستمتاع بذلك، والانتباه إلى كل جديد في كل يوم يمر به من مراحل نموه. فالحياة تبدو للطفل في كل يوم مغامرة سحرية، ومن ثَم انتهاز تلك الفرص للإجابة عن أسئلته وملاحظة طريقته في التعبير واختيار الموقف المناسب لتنبيه حواسه واختيار القصص له عبر تجاربه وألعابه المختلفة.
وهي كلها ملحوظات صغيرة وذكية لكنها عظيمة الأثر وبالغة العمق في إكساب المعارف للطفل بطريقة تلقائية سلسة. وتضرب الكاتبة مثالًا لذلك: «لو أن طفلك انتهى لتوه من اللعب مع قطة الجيران، ثم رأى صورة قطة، أو سمعك تروين قصة عن قط كبير فإنه سيعبر فورًا عن سروره. إن تجربته الشخصية تقدم لتلك القصة مزيدًا من المميزات، أكثر مما لو كان بطلها خلد الماء مثلاً الذي ربما لم يسمع به الطفل قبل ذلك». وبناء على هذه التجربة تشرح المؤلفة معنى التجربة في السياق التربوي بقولها: “إن الأشياء التي نعيشها تضيف مزيدًا من التشويق. ولهذا السبب فإن من المفيد إخراج الطفل، منذ طفولته المبكرة، إلى الحدائق العامة، أو إلى حدائق الحيوانات والطيور، أو إلى المصرف البنكي، أو الحلاق، أو السوق”.
تضيف <نهال لطفي> -مدرس علم النفس التربوي بكلية التربية، جامعة قناة السويس- أنه لا بد من تدريب الطفل منذ الصغر على توظيف انفعالاته المختلفة بهدف خلق دافع للعلم والمعرفة، بصيغة أكثر شعبية أن يحب ما يتعلم أو يعمل بما تعلمه. وهي تقول: “حتى ثمانينيات القرن الماضي كان هناك خط فاصل بين قدرات التفكير والانفعالات، لكن هذا الخط الوهمي انهار، فأصبحت النظريات العلمية تجنح إلى أن الانفعال هو نتيجة للإدراك”. فزيادة الذكاء إذن تعتمد على مدى قدرتنا على تدريب الصغير على كيفية إدارة انفعالاته والتمييز بين أساليب التفكير المختلفة. تضرب لطفي مثالًا بانفعال الخوف، هذا الانفعال له وظيفة هي حماية الصغير نفسه، لكن دور الأسرة يكمن في مدى قدرتها على كيفية إدارة هذا الانفعال بشكل ذكي.
تجارب عديدة أخرى
واذا كانت الكاتبة الهندية توصي كل أم أن تصنع لها تجربتها الخاصة، فهناك أساليب علمية حديثة بدأت بالفعل في دول عديدة من أجل تنمية ذكاء الصغار. فقد دوت صيحات جلين دوماين Glenn Doman مؤسس معهد تنمية الموارد البشرية بفيلادلفيا بالولايات المتحدة الأمريكية، منذ ستينيات القرن الماضي بهدف تعليم الأطفال القراءة منذ عشرة شهور عبر كتابة حروف الهجاء بخط واضح على ورق كرتون وقراءتها بصوت واضح بعد تصنيف الأوراق إلى مجموعات من الحيوانات والألوان، إلخ. وهي طريقة يراها الأخصائي النفسي <إدوارد زيجلر> مرهقة نوعًا ما بالنسبة لعقول الصغار، لكنها واحدة من أقدم الوصفات العلمية الخاصة بزيادة نسبة الذكاء.
واذا كانت المدرسة الغربية تسعى جاهدة لفك كود صناعة العباقرة، ففي سنغافورة ابتكر مدربو Baby Jumper، أحد مراكز تنمية القدرات الذهنية للأطفال بسنغافورة، طريقة تساعد على زيادة القدرات الفكرية والبدنية عبر تقنية تعمل على استخدام فصي المخ الأيمن والأيسر. السر يكمن في دورات متعددة النشاطات الموسيقية والحسابية وتعلم اللغات الأجنبية، فضلًا عن سلسلة من التمارين الحركية. وينصح خبراء التربية الأهل أن يصطحبوا أبناءهم للمتاحف والمعارض ولا يترددوا في فتح حوار معهم حول آرائهم فيما يشاهدونه؛ لأن ذلك سيزيد من قدراتهم على التواصل.
يبقي اللعب أيضًا ساحة كبيرة لإثراء الذكاء. فاللعب هو التمثيلية التي يتخيل فيها الأطفال أنفسهم في مواقف بذاتها لها تأثير رائع، ليس فقط على تخصيب الخيال، ولكن أيضًا على دفعهم كي يتجسدوا مع الآخر ويتفهموا ظروفه، فضلًا عن تقليل الشعور بالأنا. والألعاب الإلكترونية التي يعشقها الأطفال اليوم تلعب دورًا أيضًا في تحفيز الذكاء طبقًا لما تراه أكاديمية العلوم فى فرنسا l‘Académie des sciences والتي تتحفظ من ناحية أخرى على مكوث الطفل أمام التلفاز؛ لأن ذلك يعلمه السلبية.
فبين ألوان الرسم ونغمات الموسيقي الكلاسيكية وقفزات اللعب الرياضية تُصنَّع العبقرية، كما تضيف الكاتبة الشهيرة فيفيان كيركفيلد Vivian Kirkfield توابل أخرى تنصهر في بوتقة العبقرية ألا وهي الطهي، الذى قد يزيد من القدرات الابتكارية للطفل. وهي فرصة أيضًا للأسرة كي تُعلِّم أطفالها طرق التغذية السليمة التي تزيد بدورها في زيادة نسبة الذكاء والذاكرة. ونختتم هذه النصائح الذهبية بنصيحة أخيرة للكاتبة الهندية لاديفي، والتى توجهها للأم -مفتاح العبقرية- قائلة: “فكري في زهرة الخزامى، لماذا تنمو بشكل رائع على أرض هولندا؟ لأن التربة ودرجة الحرارة وكمية الرطوبة والبيئة كلها ممتازة، إنها تزهر بفضل الظروف المناسبة”، وتشدِّد على أنه بنفس الطريقة سوف تتفتح عبقرية طفلك؛ بفضل “المحيط الخصب الذي يمكنك تهيئته”.